مخطوف من يد الراحة | شعر

 

مأساة العاديّ

أيّ يومٍ من التقويم هذا؟

إنّه اليوم الّذي سأموت فيه،

إنّه اليوم الّذي يتكرّر كلّ يومٍ

وأموت فيه.

بِمَ قايضني العالم لكي أحمل كلّ هذا الألم؟

الحزن اسمي الثاني وحصّتي من كنز الشعور

مبذولٌ لأسمّن كتب التاريخ بالوجع،

وأقبر نفسي كي تتوالد السِّيَر.

قيامي من الفراش قيامةٌ

أسير إلى نهايتي وظلّي يسبقني

فهل تخجل شمسٌ من هذا الوضوح؟

اذكروني لو حرّكتِ الرياح غصنًا وصاح عصفورٌ بريءٌ.

سأكون محتاجًا لأنْ تذكروني.

يُسْأَلُ عنّي فراغ الحدائق ولا يجيب!

كنت زهرتها المضيئة

لكنّ يدًا عسراء أطفأتني.

رغم إدراكي أنّ كلّ فجرٍ يحمل خيانته

لكنّي حريصٌ على الاستيقاظ.

إنّه شيءٌ يمنعني من الصمت

ومع كلّ شهيقٍ أشعر أنّ خنجرًا يتوغّل في صدري،

هذي الخناجر أعرفها... أسئلتي... وندمي

وشكوكي...

ولكن لِمَ دمي غريب!

تبدّلتْ صورة خوفي

بَطُلَتْ دهشة المجهول

وصرت أخاف من الّذي أعرف

أمشي إلى حتفي كَمَنْ يملأ فراغًا صحيحًا

وكلّ الجهات تحمل خبرًا واحدًا:

أنّى وَلَّيْتَ وجهك ستكون ميتتك عراقيّة.

وعليه
 أبذر حلمي في القفار

وأعرف أنّ اسمي يرادف الضياع في حفلة الغربان،

وأنّ حياتي المنزوعة منّي لم تكن حياةً،

كانت وفاةً مؤجّلةً

وموعدًا مع عدمٍ آخرَ

لا أسمع فيه نداء قلبي

حين يخنقه تلٌّ من جثث إخوتي.

بقي أن أفقد نبضي وقد فقدته

وحقّقتُ كمال الموت وبهجته.

أنا مغدورٌ...

واسم قاتلي ينمو في لافتات الشوارع.

 

 

كَرّادة 2020

أفتح عينيّ على الغروب

وتحت اختفاء الشمس تكون الكرّادة عاريةً

والبشر فيها أمواتٌ مؤجّلون،

غير آبهين لكهرمانة

وهي تسكب الحقيقة مجّانًا.

تنفتح حولها عيون اللصوص

ويمرّ النسيم مثل سيفٍ على الأعناق.

تحت كلّ خطوةٍ أدفن أملًا بالنجاة

في مكانٍ تكمن لِيَ الفخاخ

لتغلق عينيّ الغريبتين

عن الخوف الّذي يربط عيون الآخرين بالتراب.

الآخرون الّذين يبحثون عن أثر القبلة في السكّين

ويطمئنّون لبراءة الذبح.

أكاد ألمس قمر الكرّادة

حين يهوي على رؤوس السكارى،

وتضيء أحلامهم بين يديّ

فأعرف حينها ندرة أشباهي.

بين فروع الكرّادة يتخصّر حزنٌ حيٌّ

ويأخذ شكل صاحبي

أسير معه وتصير لعبتنا خنق اللغة

لنسحب منها اعترافًا بالعجز

عن إمساك جمرة الكارثة

وهي تأكلنا من الداخل.

تترادف الأجساد

يصير صاحبي مسدّسًا!

وأكون الريش المتطاير من وسادة المقتول...

على فجر الكرّادة أغلق عينيّ

ينطفئ مصباح الريبة

وتخطئ الأصابع سبيل الزناد

لتنام المدينة على جريمةٍ لم تكتمل
وينتهي يومٌ من الأيّام.

 

يموت

إنّ ما امتزج من دموع التماثيل

وتراب الآلهة

كان وشايةً بمأساةٍ جديدةٍ.

وكعادة الطبيعة في الاجترار

اجترحتْ معجزةً أخرى،

فانسلَّ يحيى ابن سؤالٍ

من شجرةٍ،

ونما كثمرة استفهامٍ طازجةٍ.

راح يبذر حيرته في القرى،

ويحصد منافٍ.

يطوي لياليه بالشكوك

يسائل سماواتٍ،

يختبر مفازاتٍ،

وينام كجوهرةٍ فوق فم البركان.

ينهض من حرائق الطين،

ويمنح كلّ مسافةٍ نجمةً،

وكلّ نجمةٍ يمنحها مصيرًا،

هكذا آخى السبل

فكان بِكْرَ الأدلّة

رغم ضياعه.

ينصت للحجر...

ويجتلي من صمت الطيور أسراره،

فتنفتح مثل صَدَفَةٍ لصبر الصيّاد،

ويشبع جوع الشباك

بلا فخاخٍ،

لكنْ بالوضوح.

رأى للشمس جذرًا

فكان الذهب.

ورأى للماء قلبًا فكان الماس.

سقى من حبر الطواويس

أيّامًا فتلوّن الزمن.

كان يحيا
كَمَنْ يفرك الصدأ عن النَّبْلِ،

ويجعل من سيرته وصايا

لكنّه في كل نهايةٍ يموت.

 


 

مبين خشّاني

 

 

شاعر من العراق، تخرّج في «قسم المهندسة - جامعة واسط» عام 2020. يكتب في السينما والنقد في منابر عربيّة مختلفة. نالت مجموعته الشعريّة «مخطوف من يد الراحة»، «جائزة الرافدين للكتاب الأوّل – دورة فوزي كريم» لعام 2021.